بقلم البروفسير الاستاذ الدكتور و المفكر ؛ رشدي دميان
فى عالم اليوم ، وبالتحديد بعدما سادت ثورة الإلكترونيات وطغت بكل ما تبتكره وتستحدثه يوماً بعد يومٍ على ما تعود عليه العقل البشرى من إبتكار وإختراع ، وأصبحت شبكة المعلومات ومحركات البحث المختلفة هما المصدر الأساسى والرئيسى لكافة العلوم والمعارف بكل أنواعها ، كما باتت الآلة الميكانيكية والإلكترونية هى التى تتحكم فى معظم أمور الحياة اليومية للإنسان فى شتى بقاع العالم مما جعل العقل البشرى يتوقف ، أو أنه قد أصبح فى حالة ركود أو سُبَات ؟!
هنا قد يقول قائل متسائلاً :
أليس كل ذلك ما هو إلا من نتاج تفكير وإبتكارات العقل البشرى ؟!
وأرد أيضاً بالقول بأن هذه هى حقيقة مؤكدة لا جدال ولا نقاش فيها ،
ولكن فى نفس الوقت يجب علينا أن لا نتجاهل أن كل ما يأتى به الفكر والعقل البشرى عادة لا يكون من فراغ ، ولكنه من نتاج العلم والمعرفة وإعمال العقل فى التفكير والبحث الدؤوب ، وأيضاً مما قد تعلمه كل العلماء فى طفولتهم ما قد ساعدهم على أن يقدموا للبشرية هذه الإبتكارات والإختراعات .
ليس فقط مما تعلموه من العلوم الرياضية والهندسية والعلوم الأخرى الطبيعية والبيولوچية والتطبيقية ، ولكن أيضاً من العلوم الإنسانية والثقافية والفنية ، علاوة على العلوم الفلسفية ، بالإضافة إلى آداب التربية والسلوك الإجتماعى .
وعلى ذلك سوف يظل العقل البشرى هو الركيزة الأساسية فى الإبتكار والإختراع والتحديث والتجديد .
هذا من ناحية ، ولكن من ناحية أخرى نجد أن الجهل والتصحر الفكرى والإنفلات الأخلاقى والصفات الدونية ، هذه كلها وغيرها قد أصبحت من السمات الغالبة لمعظم الأفراد من الكبار والصغار ، الشباب والكهول ، السيدات والرجال ، ليس فى بلادنا المصرية فقط ولكن فى مختلف أنحاء بلاد وبقاع العالم ؟!
لذلك فإنه قد أصبح يتحتم علينا نحن الذين عشنا زمن الرقى والحضارة ونهلنا من العلوم والثقافة والآداب والفنون ما بُنَيَت عليه أفكارنا وتوجهاتنا وما تشكلت وتحددت عليه شخصياتنا ، أقول أنه من واجبنا الضرورى أن نقوم بتسليم أولادنا والأجيال اللاحقة ما قد تعلمناه من علوم وآداب ومُثُل وقِيَم وأخلاقيات ، وما قد تسلمناه من تُرَاثٍ حضارى وكنوز معرفية -من وعلى-أيدى الرواد المصريين والعالميين فى كل هذه المجالات الثقافية والأدبية والإنسانية لأنها تعتبر المدخل الرئيسى لدراسة العلوم الرياضية والهندسية والطبيعية والفيزيائية والبيولوچية ؟!
لذلك "علموا أولادكم" :
- أهمية القراءة المتأنية بنهم وشغف وتركيز لأن القراءة بهذا الأسلوب تفتح الذهن على الآفاق التى لم تكن معروفة لهم من قبل .
- علموهم دراسة الأعمال الأدبية والفنية للكُتَّاب التنويريين المصريين والعالميين ، فذلك يساعدهم على تفتيح وتنمية آفاقهم المعرفية .
- علموهم الإستماع للموسيقى وكيف يستمعون لأعمال كبار الموسيقيين المصريين والعالميين ، وأيضاً كيف يتذوقون الموسيقى والسيمفونيات وحفلات الأوبرا المصرية والعالمية ، فذلك يصقل مشاعرهم وأحاسيسهم .
- علموهم التعود على قراءة كتب التاريخ عامة ، والتراث المصرى القديم بصفة خاصة ، وأيضاً على زيارة المتاحف والمناطق الأثرية التى لا تزال شاهدة على عظمة ونبوغ الإنسان المصرى القديم ، وعلى أول الحضارات التى قدمها للعالم ، فذلك يُنَمى ويُعمِق إنتمائهم لأصولهم وهويتهم المصرية .
- علموهم التعود على الإعتماد على أنفسهم فى المذاكرة وتحصيل المواد الدراسية وليس فقط على الدروس الخصوصية ، فذلك يساعدهم على تكوين شخصياتهم المستقلة .
- علموهم أن الأديان والرسالات السماوية قد أنْزِلَت للبشر لكى تكون لهم بمثابة نبراساً ومصابيحاً يسيرون على هَدْيِهَا ، ولكى يعيشوا حياتهم فى محبة وسلام مع بعضهم البعض ، وليس للتناحر والقتال والجدال فى من هو الأفضل وما هو الصحيح وما هو الخطأ فذلك سوف يدفعهم لأن يتفهموا ماهية هذه الأديان والرسالات .
- علموهم الحب والمحبة للجميع بدون تمييز دينى أو طبقى أو إجتماعى ، فذلك يُزِيِد فيهم الشعور بالألفة والتآخى ونبذ العداوة والكراهية للآخر .
- علموهم فضيلة الإحترام للكبار وتقبيل أياديهم ، وأيضاً على الإنحناء لهم تبجيلاً وتقديراً وإعترافاً بفضلهم ، فذلك يُزِيد من إدراكهم فضيلة العرفان بالجميل .
- فقط علموهم ألف باء الحياة الإنسانية القويمة ، وسلموهم كل ما تعلمتموه من فضائل وميْزات كريمة ، ومُثُل وأخلاقيات عالية ورفيعة ، وتقاليد وأعراف عريقة .
- فقط أنيروا لهم طريق العلم والمعرفة ، وأفسِحُوا لهم سُبُلْ التعقل والتفهم والفحص والإستقصاء حتى يستطيعوا الخروج الآمن من نفق الجهل المعتم والمظلم .
فقط "علموا أولادكم" ......
علموهم قبل فوات الأوان ؟!