كتب: د. جمال أسعد
مدرس الآثار والفنون المسيحية بكلية الآداب جامعة المنيا
الهلال مع الصليب اصطلاح حديث للوحدة الوطنية مابين أنصار الديانة المسيحية وما بين أتباع الديانة الإسلامية وهو إصطلاح لحزب الوفد المصري وكانت الدولة العثمانية قد إتخذت الهلال شعاراً لها وليس للاسلام ... والحقيقة أن الواقع الأثري يثبت غير ذلك تماما فقد تم العثور على العديد من الصلبان والتي تنتهي أذرعها الأربعة بشكل الهلال وكذلك العديد من المسارج (أدوات إنارة) يعلوها شكل الهلال وبداخله الصليب وهذه المسارج.
وتلك الصلبان بعضها يؤرخ بالقرن الثالث الميلادي والبعض الآخر يؤرخ بالقرنين الخامس والسادس للميلادي قبل ظهور الإسلام كديانة وعليه يكون وجود الصليب بداخل الهلال ليس له علاقة بهذه الوحدة الوطنية وإنما هذا الجمع ما بين الهلال والصليب ما هو إلا إنعكاس لمذهب المصريين الأقباط وهو المذهب المصري الأرثوذوكسي الذي ينادي بوجود طبيعة واحدة للسيد المسيح وذلك على العكس تماما من مذهب الغرب الأوربي الذي ينادي بوجود طبيعتين للسيد المسيح فمنذ ظهور آريوس الهرطوقي وغيره من الفلاسفة واللاهوتيين في منتصف القرن الثالث الميلادي وحتي منتصف القرن الخامس (اوريجنيس – نسطوريوس – اثناسيوس)
ونفي بعضهم وعلى رأسهم آريوس هذا لصفة الالوهية عن السيد المسيح وأيضا ما تكلم به نسطوريوس وعارضه أثناسيوس حول كينونة العلاقة ما بين السيد المسيح وأمه السيدة مريم العذراء أهى أم لإله أم أم لإنسان؟ وقد تعارض هذا كله مع مذهب ومعتقد الكنيسة المصرية الأرثوذكسية تحت زعامة أسقفها كيرلس الرابع و التي تمسكت بعقيدتها وبدأت تدافع عن مذهبها الديني بشتي الوسائل والتي كان من بينها الوسائل الفنية بالغة الأثر كصناعة الصلبان وأدوات الإنارة وكذلك شيوع الثيوتوكيات تمجيداً يومياً للسيدة مريم العذراء بما يتوافق مع القانون الكنسي وعليه انتشرت تصاوير العذراء المرضعة.
كذلك جاء الجمع ما بين الهلال والصليب والذي رمزوا به للسيدة مريم وبالصليب رمز للسيد المسيح تاكيداً منهم على مذهبهم الديني وعن مدي العلاقة مابين السيد المسيح ووالدته السيدة مريم العذراء وأيضا رسمهم للسيد المسيح في صورة طفل وحول رأسه هالة القداسة يجلس على حجر أمه السيدة مريم العذراء وهو يشد بيدة وبقوة على معصم أمه السيدة مريم تأكيدا منه على علاقته الشديدة وانبثاقه من والدته السيدة مريم العذراء ثم توالى الفنانين والصناع بعد ذلك بطلب من الكنيسة من التركيز في أعمالهم الفنية على إبراز معجزات الطفل الإلهي ومن هنا كثرة موضوعات تجسد الهروب إلى مصر وقطع روؤس أطفال بيت لحم وتصدع أصنام المعابد المصرية فور دخول السيد المسيح إلي مصر كل ذلك من أجل إثباتهم لألوهية السيد المسيح قبل الميلاد وقبل العماد تأكيداً أيضا لطبيعته الواحدة
فمنذ بداية القرن الثاني والثالث للميلاد دار الصراع اللاهوتي مابين أوائل الفلاسفة واللاهوتيين من أبناء المسيحية أمثال كلمنت السكندري وبانطنيوس وأرجينس حول حقيقة خلق السيد المسيح وكذلك القوى الإلآهية والروح القدس وكانت أرائهم تمثل الأرضية الثابته لهذا الصراع اللآهوتي الذي دارت أحداثه على لسان وبأقلام كل من آريوس السكندري والذي نفى وارتكز على أراء سابقيه صفة الألوهيه عن السيد المسيح وقال بأنه مجرد إنسان عادي وأن علاقته بالسيده مريم العذراء ماهى إلا مجرد علاقة ام بأبنها وأنها يجب أن يدعوها الجميع بأم الأنسان أو بوالدة الإنسان وليس بوالدة الإله (فيوتؤكس).
وهو ماتعارض بشدة مع عقيدة الكنيسة المصرية بالإسكندرية حيث تنادي الكنيسة المصرية بألوهية السيد المسيح وتمجد وتقدس أمه السيدة مريم العذراء وهنا وقع الصراع والذي إمتد حتى منتصف القرن السادس الميلادي حيث عقد في الإسكندرية في عام 321م مجمع ديني وهو مجمع الإسكندرية للفصل في آراء نسطوريوس هذا حيث حكم عليه بالنفي هو ومن أيده من أساقفة المجمع إلى آسيا الصغرى ولم يكن نفيه هذا لأرائه أو وجهة نظره الشخصية الدينية وأنما كانت في المقام الأول نتيجة لرفضه تنفيذ أوامر الإمبراطور قسطنطين حيث كان الأمبراطور يرغب في إنهاء هذا الجدل العقائدي حفاظاً منه وحرصاً على وحدة الإمبراطورية الرومانية وعليه خافت كنيسة الإسكندرية على مذهبها فأمرت الفنانين والمصوريين بها إلى الدفاع عن مذهبهم الديني بكل الوسائل والطرق الفنية فلم يجد فناني الكنيسة أمامهم سوى التبحر في معجزات السيد المسيح التي تثبت ألوهيته مثل فراره من مذبحة أطفال بيت لحم وما حولها بقدرته الإلهيه (حسب المعتقد المسيحي) وأيضا قصة هروبه إلى أرض مصر وتصدع الأصنام بوجه في كل مكان يحل به في مصر أيضا إبرازهم للعلاقة القوية ما بين السيد المسيح وأمه السيدة العذراء.
ومن هنا جاءت الكثرة المتناهية في مناظر التصوير التي تعكس لنا قصة الهروب إلى مصر (مجيئ العائلة المقدسة إلى مصر والسيدة مريم وهي تحمل المسيح الطفل على ركبتيها) يقبض بقوة بيديه على معصمها تأكيداً على هذه العلاقة القوية أيضاً مناظر نحت ورسم الدولفين متجها لأعلى مره ولإسفل مره أخرى مما يؤكد بصورة رمزية على الطبيعة اللاهوتيه في السماء والناسوتية في الأرض والتي تخص السيد المسيح بل وصل بهم الأمر إلى تمثيل صور خاصة بالسيد المسيح تشبه تمام صور الإمبراطور الروماني (لوحات اللورتان) والتي ترمز إلى مال الامبراطور من قدسية توازي قدسية السيد المسيح الإله من وجهة نظر المسيحية فمن ينظر للإمبراطور ويعاود النظر للصورة يجد نفس الصفات الإلهيه وعليه يكون الأبن مساوي تماما للآب الذي خلق منه وأخيراً لا ننسى قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أحد رسائله إلى هرقل عظيم القبط .... أسلم وإلا عليك ذنب الآريوسيين مما يؤكد على إن آريوس هذا مذهبه الحق من وجهة نظر الإسلام وإن كان هذا ليس مجال حديثنا الآن....